فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الربيع بن أنس: نزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير، يقرأ منها الجزء في سنة لم يقرأها إلاّ أربعة نفر: موسى يوشع وعزير وعيسى عليهم السلام، وقال: هذه الآية ألف آية يعني قوله: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا} وتبيانًا {لِّكُلِّ شَيْءٍ} من الأمر والنهي الحلال والحرام والحدود والأحكام.
{فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} قال مقاتل: بجد ومواظبة. قال الضحاك: بطاعة {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} قال ابن عباس في رواية الكلبي: بأحسن ما أُمروا في الأرض فيحلوا حلالها ويحرموا حرامها، وكان موسى أشد عداوة من قومه فأمر بما لم يؤمروا به. وقال ابن كيسان وابن جرير: أحسنها الفرائض لأنه قد كان فيها أمر ونهي، فأمرهم الله تعالى أن يعملوا بما أمرهم به ويتركوا ما نهاهم عنه فالعمل بالمأمور به أحسن من العمل بالمنهي عنه.
وقيل: معناه أخذوا بها وأحسن عمله. وقال قطرب: يأخذوا بأحسنها أي بحسنها وكلّها حسن كقوله: {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] وقال الحسين بن الفضل: معنى قوله: {أحسنها} أن يتخيل للكلمة معنيين أو ثلاثة فيصرفوا إلى الشبهة بالحق. وقيل: كان فيها فرائض لا مبرّك لها وفضائل مندوبًا إليها والأفضل أن يجمع بين الفرائض والفضائل.
{سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} قال أهل المعاني: هذا كقول القائل لمن يخاطبه سأُريك غدًا إلى بصير فيه قال مَنْ يخالف أمري على وجه الوعيد والتهديد.
وقال مجاهد: {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} قال: مصيرهم في الآخرة. قال الحسن: جهنم، وقال قتادة وغيره: سأُدخلكم النار فأُريكم منازل الكافرين الذين هم سكانها من الجبابرة والعمالقة.
وقال عطيّة العوفي: معناه سأُريكم دار فرعون وقومه وهي مصر يدلّ عليه.
قرأ ابن عباس وقسامة بن زهير: سأُورّثكم دار الفاسقين. وقال الكلبي: دار الفاسقين ما مرّوا عليه إذا سافروا من منازل عاد وثمود والقرون الذين أهلكوا. وقال ابن كيسان: ساريكم دار الفاسقين ما يصير قرارهم في الأرض.
وقال ابن زيد: يعني سنن الأوّلين، وقيل: الدار الهلاك وجمعه أدوار.
وذلك أن الله تعالى لمّا أغرق فرعون أوحى إلى البحر أن يقذف أجسادهم إلى الساحل ففعل فنظر إليهم بنو إسرائيل فأراهم هلاك الفاسقين.
وقال يمان: يعني مسكن فرعون. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ...} الآية.
في {وَكَتَبْنَا لَهُ} قولان:
أحدهما: فرضنا، كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] أي فرض.
والثاني: أنه كتابة خط بالقلم في ألواح أنزلها الله عليه.
واختلفوا في الألواح من أي شيء كانت على أربعة أقاويل:
أحدها: أنها كانت من زمرد أخضر، قاله مجاهد.
والثاني: أنها كانت من ياقوت، قاله ابن جبير.
والثالث: أنها كانت من زبرجد، قاله أبو العالية.
والرابع: قاله الحسن كانت الألواح من خشب، واللوح مأخوذ من أن المعاني تلوح بالكتابة فيه.
وفي قوله: {مِن كُلِّ شَيْءٍ} قولان:
أحدهما: من كل شيء يحتاج إليه في دينه من الحلال والحرام والمباح والمحظور والواجب وغير الواجب.
والثاني: كتب له التوراة فيها من كل شيء من الحكم والعبر.
وفي قوله: {مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا...} تأويلان:
أحدهما: أن الموعظة النواهي، والتفصيل: الأوامر، وهو معنى قول الكلبي.
والثاني: الموعظة: الزواجر، والتفصيل: الأحكام، وهو معنى قول مقاتل.
قال: وكانت سبعة ألواح.
{فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: بجد واجتهاد قاله السدي.
والثاني: بطاعة، قاله الربيع بن أنس.
والثالث: بصحة عزيمة، قاله علي بن عيسى.
والرابع: بشكر، قاله جويبر.
{وَأمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} لم يقل ذلك لأن فيها غير حسن، وفيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن أحسنها: المفروضات، وغير الأحسن: المباحات.
والثاني: أنه الناسخ دون المنسوخ.
والثالث: أن فعل ما أمر به أحسن من ترك ما نهي عنه لأن العمل أثقل من الترك وإن كان طاعة.
{سَأُرِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ} فيها أربعة أقاويل:
أحدها: هي جهنم، قاله الحسن، ومجاهد.
والثاني: هي منازل من هلك بالتكذيب من عاد وثمود والقرون الخالية، لتعتبروا بها وبما صاروا إليه من النكال، قاله قتادة.
والثالث: أنها منازل سكان الشام الجبابرة والعمالقة.
والرابع: أنها دار فرعون وهي مصر.
وقرأ قسامة بن زهير {سَأُوْرِثُكُمْ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وكتبنا له في الألواح} الآية، الضمير في {له} عائد على موسى عليه السلام، والألف واللام في {الألواح} عوض من الضمير الذي يقدر وصله بين الألواح وموسى عليه السلام، تقديره في ألواحه، وهذا كقوله تعالى: {فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 41] مأواه وقيل: كانت الألواح اثنين، وقيل أيضًا من برد، وقال الحسن من خشب، وقوله: {من كل شيء} لفظه عموم والمراد به كل شيء ينفع في معنى الشرع ويحتاج إليه في المصلحة، وقوله: {لكل شيء} مثله، قال ابن جبير: ما أمروا به ونهوا عنه، وقاله مجاهد: وقال السدي: الحلال والحرام. وقوله: {بقوة} معناه بجد وصبر عليها واحتمال لمؤنها قاله ابن عباس والسدي، وقال الربيع بن أنس {بقوة} هنا بطاعة، وقال ابن عباس أمر موسى أن يأخذ بأشد مما أمر به قومه، وخذ أصله أؤخذ حذفت الهمزة التي هي فاء الفعل على غير قياس فاستغني عن الأول، وقوله: {بأحسنها} يحتمل معنيين أحدهما التفضيل كأنه قال: إذا اعترض فيها مباحان فيأخذون الأحسن منهما كالعفو والقصاص، والصبر والانتصار.
قال القاضي أبو محمد: هذا على القول إن أفعل في التفضيل لا يقال إلا لما لهما اشتراك في المفضل فيه وأما على القول الآخر فقد يراد بالأحسن المأمور به بالإضافة للمنهي عنه لأنه أحسن منه، وكذلك الناسخ بالإضافة إلى المنسوخ ونحو هذا، وذهب إلى هذا المعنى الطبري.
قال القاضي أبو محمد: ويؤيد هذا التأويل أنه تدخل فيه الفرائض وهي لا تدخل في التأويل الأول، وقد يمكن أن يتصور اشتراك في حسن من المأمور به والمنهي عنه ولو بحسب الملاذ وشهوات النفس الأمارة، والمعنى الآخر الذي يحتمله قوله: {بأحسنها} أن يريد بأحسن وصف الشريعة بجملتها، فكأنه قال: قد جعلنا لكم شريعة هي أحسن كما تقول: الله أكبر دون مقايسة ثم قال: فمرهم يأخذوا بأحسنها الذي شرعناه لهم، وفي هذا التأويل اعتراضات، وقرأ جمهور الناس {سأوريكم}، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {سأوريكم} قال أبو الفتح ظاهر هذه القراءة مردود وهو أبو سعيد المأثور فصاحته فوجهها أن المراد أريكم ثم أشبعت ضمة الهزة ومطلب حتى نشأت عنها واو، ويحسن احتمال الواو في هذا الموضع أنه موضع وعيد وإغلاظ فمكن الصوت فيه.
وقرأ قسامة بن زهير {سأورثكم} قاله أبو حاتم، ونسبها المهدوي إلى ابن عباس، وثبتت الواو في خط المصحف فلذلك أشكل هذا الاختلاف مع أنا لا نتأول إلا أنها مرويات فأما من قرأها {سأوريكم} فالمعنى عنده سأعرض عليكم وأجعلكم تخشون لتعتبروا حال دار الفاسقين، والرؤية هنا رؤية العين إلا أن المعنى يتضمن الوعد للمؤمنين والوعيد للفاسقين ويدل على أنها ررية العين تعدى فعلها وقد عدي الهمزة إلى مفعولين فهو مقدر أي مدمرة أو خربة مسعرة على قول من قال: هي جهنم، قيل له: ولا يجوز حذف هذا المفعول والاقتصار دونه أنها داخله على الابتداء والخبر ولو جوز لكان على قبح في اللسان لا يليق بكتاب الله عز وجل، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومقاتل وقتادة في كتاب النقاش {دار الفاسقين} مصر والمراد آل فرعون، وقال قتادة أيضًا: {دار الفاسقين} الشام والمراد العمالقة الذين أمر موسى بقتالهم، وقال مجاهد والحسن: {دار الفاسقين} جهنم والمراد الكفرة بموسى عامة، وقال النقاش عن الكلبي: {دار الفاسقين} دور ثمود وعاد والأمم الخالية: أي سنقصها عليكم فترونها. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَك يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُورِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ}.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْقَوْلُ فِي الْحَسَنِ وَالْأَحْسَنِ: قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ الْحَسَنَ مَا وَافَقَ الشَّرْعَ، وَالْقَبِيحَ مَا خَالَفَهُ، وَفِي الشَّرْعِ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ، فَقِيلَ: كُلُّ مَا كَانَ أَرْفَقَ فَهُوَ أَحْسَنُ.
وَقِيلَ: كُلُّ مَا كَانَ أَحْوَطَ لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ أَحْسَنُ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ أَحْسَنَ مَا فِيهَا امْتِثَالُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ لَهُ: وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أُنْقِصُ مِنْهُ فَقَالَ: «أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ، دَخَلَ الْجَنَّةَ إنْ صَدَقَ».
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمُبَاحُ مِنْ جُمْلَةِ الْحَسَنِ فِي الشَّرِيعَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مِنْ الْمَأْمُورَاتِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ وَأَذِنَ فِيهِ.
وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ يُمْدَحُ فَاعِلُهُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ، وَلَا يُمْدَحُ فَاعِلُ الْمَكْرُوهِ؛ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي السَّرَفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدْخُلُ فِي الْأَحْكَامِ إذَا قُلْنَا: إنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، فَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ الَّتِي لَا تَرَى ذَلِكَ فَلَمْ تُدْخِلْهَا فِي أَحْكَامِهَا، وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا هُنَا مِنْ التَّبَسُّطِ الَّذِي لَا يَحْسُنُ.
وَاَلَّذِي يُحَقِّقُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا ذَكَرَهَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ حُسْنِ الِاقْتِدَاءِ وَمِنْ سَيِّئِ الِاجْتِنَابِ، وَإِذَا مَدَحَ قَوْمًا عَلَى فِعْلٍ فَهُوَ حَثٌّ عَلَيْهِ، أَوْ ذَمَّهُمْ عَلَى آخَرَ فَهُوَ زَجْرٌ عَنْهُ، وَكُلُّهُ يَدْخُلُ لَنَا فِي الِاهْتِدَاءِ بِالِاقْتِدَاءِ. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء}.
في ماهية الألواح سبعة أقوال:
أحدها: أنها زبرجد، قاله ابن عباس.
والثاني: ياقوت، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: زمرُّد أخضر، قاله مجاهد.
والرابع: بَرَد، قاله أبو العالية.
والخامس: خشب، قاله الحسن.
والسادس: صخر، قاله وهب بن منبه.
والسابع: زمرد وياقوت، قاله مقاتل.
وفي عددها أربعة أقوال:
أحدها: سبعة، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: لوحان، قاله أبو صالح عن ابن عباس، واختاره الفراء.
قال: وإنما سماها الله تعالى ألواحًا، على مذهب العرب في إيقاع الجمع على التثنية، كقوله: {وكنا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: 78] يريد: داود وسليمان، وقوله: {فقد صغت قلوبُكما} [التحريم: 4].